يبدو أن مختلف الثورات (السلمية) التي حصلت مؤخراً في أماكن عديدة في العالم، مثل جورجيا، أوكرانيا وقرغيزستان، متصلة بطريقة معقدة بنشاطات المنظمات الأمريكية غير الحكومية المختلفة. علاوة على ذلك يبدو أن نشاطات هذه المنظمات تعكس بطرق مختلفة بعض التغيرات في السياسة الخارجية ومصالح الولايات المتحدة، وبالتالي يبدو أن نجاح أو فشل مختلف الثورات يعكس هذه التغيرات أيضاً. ولهذا، على سبيل المثال، لم تسفر الاضطرابات السياسية في أوزباكستان (أيار 2005) وأزربيجان (تشرين الثاني 2005) عن مثل هذه الثورات.
هذا هو جوهر التحليل الذي قدمه سريرام شوليا في مقالته الجديدة "الدمقرطة، المنظمات غير الحكومية والثورات الملونة." لم تكن الآراء التي ظهرت في المقالة جديدة أو مفاجئة؛ كذلك الأمر بالنسبة لنبرة السخط المستخدمة في التحليل. ومع ذلك، توضح المقالة السياق الحالي "للموجة الثالثة" من الدمقرطة التي تكتسح العالم حالياً.
بيد أن المقالة، وكما هو الحال في مثل هذا التحليل، تفشل في الإشارة إلى غياب بدائل حقيقية وعملية بالنسبة لشعوب الدول المذكورة. يبدو أن الخيارات التي تمتلكها مجموعات المجتمع المدني وحركات المعارضة في تلك البلدان، العالقة بين الأنظمة الاستبدادية والمجتمعات المتداعية مصحوبة بالتدخل الخارجي المتواصل بشؤونها الداخلية، هي خيارات محدودة فعلياً. وفي الواقع، ينتهي الوضع إلى ضرورة الاختيار بين الخروج من المأزق السياسي والاجتماعي الاقتصادي بالتعاون مع قوى خارجية، أو البقاء تحت هيمنة الأنظمة الحالية غير المؤهلة.
يبدو أن البحث عن خيار ثالث هو امتياز للدول الكبيرة كالصين والهند، أو الائتلافات، كدول رابطة شعوب شرق آسيا، وليس للكيانات الممزقة المحكومة من قبل أنظمة فاسدة واستبدادية غير مؤهلة والتي تبدو منفصلة بشكل كلي عن الحقائق والتي طالما ترزح تحت وطأة التغيير حولها.
حقاً، يبدو أن بعض الدول تقفز متأخرة جداً إلى عربة التحديث والتطور، في زمن لا يزال فيه التدخل الأجنبي حقيقة يومية. ومهما تكن أسباب هذا التأخير، فهو يحدّ من خياراتها. وما لم تتمكن هذه الدول من التآلف على نمط رابطة شعوب جنوب شرق آسيا وتمكين نفسها عبر شكل من أشكال التعاون الإقليمي الاقتصادي والسياسي والتدابير الأمنية المشتركة، وهو أمر غير محتمل أبداً في ظل القيادات الحالية، فإن الخيارات الواقعية الوحيدة التي تمتلكها حركات المعارضة تميل كما يبدو إلى أن تتضمن قدراً هاماً من الدعم والتنسيق مع قوى خارجية، والولايات المتحدة على وجه التحديد.
علاوة على ذلك، لا بد أن أحد العوامل الرئيسية التي سهلت قبول هذا الخيار من جانب حركات المعارضة في آسيا الوسطى والقوقاز هو غياب المشاعر المعادية لأمريكا في الدول المذكورة، بخلاف الشرق الأوسط، حيث العداء لأمريكا متأصل في نفوس الناس، لمجموعة من الأسباب، منها الدعم السابق للأنظمة الدكتاتورية والنزاع العربي الإسرائيلي.
إن إظهار السخط من التدخل الامبريالي الأمريكي بشؤون الشعوب الأخرى هو من حق شعوب الدول التي حققت، على الأقل، درجة ما من التحديث وتبدو قادرة على توجيه هذه العملية قدماً في
المستقبل المنظور. ليس الأمر كذلك في الشرق الأوسط. فليس للسخط دور هنا. ستكون جرعة مكثفة من الذرائعية والواقعية السياسية أكثر جدوى، ليس فقط بالتعامل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بل وبالتعامل مع التنوع الإثني والديني والإيديولوجي الداخلي أيضاً الذي يصوغ حياة معظم دول المنطقة.
ينصح الناس غالباً بالواقعية السياسية في الولايات المتحدة، ولكنهم لا يدركون أن اعتبارات الواقعية السياسية هي الدافع الرئيسي وراء الخيارات التي تتخذها بعض حركات المعارضة السياسية في البلدان المعنية. فالمعارضة تدرك نوايا الولايات المتحدة، ولكنها تدرك أيضاً ضرورة العمل لكسر الجمود السياسي في المنطقة كخطوة أولى وضرورية للخروج من المأزق.
Comments