منذ اشتعال المنطقة بالمظاهرات الاحتجاجية على ظاهرة الرسوم الكرتونية المسيئة لرسول في الإسلام في الدنمارك والصحف العالمية تشهد موجة من المقالات المليئة بغلإدانة للإسلام كدين عنف والمحذرة من الخطر الذي يشكله ازدياد عدد المسلمين في أوروبا على طبيعتها الثقافية (المسيحية) والعلمانية.
لكني، وإن كنت أقرّ بوجود مشكلة حقيقة ناشئة عن تصادم القيم الثقافية للأديان التقليدية مع تلك التي تبشّر بها الحداثة، لا يمكن أن أصمت حيال هذه التحليلات المفرطة في التبسيط والتافهة لطبيعة التحديات التي تواجهنا اليوم، لأنها لن تزيد الطين إلا بلّة ولأنها ستساهم أكثر وأكثر في تأجيج نار الأحقاد ضد المهاجرين المسلمين في بلاد الغرب.
لذا، فالأسئلة الحقيقية التي تواجهنا اليوم لا علاقة لها بكون الإسلام دين سلام أم لا، فالأديان التقليدية بمجهلها قادرة على أن تقدم كبرّرات ومسوّغات للحرب والسلم معاً، ولا علاقة لها باجتياحات وهمية للمجتمعات الغربية المتحصّنة خلف قيم الحداثة واقتصادياتها وانجازاتها السياسية والعسكرية، بل ينبغي على الأسئلة أن تركّز على التحديات النابعة عن ضرورة إيجاد آليات مناسبة لتأمين دمج المجتمعات التقليدية في بنية العالم الحديث بطريقة تتماشى مع القيم الإنسانية التي تدعو إليها الحداثة. كما يجب على هذه الآليات أن تتعامل بشكل ناجع مع الترتيبات الإنتقالية الضرورية التي ينبغي أن تدار المجتمعات الإسلامية من خلالها حتى يتحقق الإندماج المنشود.
لا يوجد أجوبة سهلة هنا بالطبع، ولكن صعوبة الأمر هنا تؤكد على صحة السؤال، في حين نرى أن الأسئلة التبسيطية التي أشرنا إليها أعلاه لا يمكنها أن تؤدي إلا إلى الجواب "السهل" المتعلّق بحتمية المواجهة مع الإسلام والمجتمعات الإسلامية بغض النظر عن تعقيداتها البنيوية وتحدياتها التنموية، وعن أن معركة الحداثة لها أنصارها في المجتمعات الإسلامية، وعن أن مواجهات وجودية من هذا النوع غالباً ما تؤدي إلى انتهاك الحقوق الأساسية لمن باتوا يعدون اليوم من زمرة الأعداء.
Comments