تشكّل مشاعر التخاذل والتقاعس المنتشرة في الوساط الشبابية في المنطقة واحدة من أخطر الأمراض الأجتماعية التي تهدد مستقبل المنطقة. لكنا، لا يمكننا أن نتكفي في محاولاتنا اليائسة لتفسير هذه الظاهرة بإلقاء اللوم على الأوضاع الاقتصادية وثقافة الخوف الناتجة عن الاستبداد السياسي أو الخوف من الفوضى والوبال الذي يمكن أن تعود علينا به العمليات التغييرية عندما لا تتوفر الأوجه الناسبة لتوجيهها وقيادتها. وهذه الملاحظة تقودنا إلى مواجهة الجزء الآخر من المعادلة هنا، فالسلوك الإنساني لا يشكّل فقط عبر عوامل الإثباط، التي تمثلها الأوضاع الاقاصادية السيئة وثقافة الخوف، بل يتم تشكيله أيضاً عبر عوامل التحريض، وهي غائبة عن الصورة هنا، وربما كان غيابها هو السبب الأكبر وراء التخاذل والتقاعس الذي نراه بين صفوف الشباب. إن غياب الرؤية المستقبلية الواعدة والأوجه القايادية المقنعة، والتي يمكن لها أن تشكّل العوامل التحريضية المطلوبة، تبدو هي لب المشكلة. ولو كانت الرؤى والشخصيات الإسلامية والقومية كافية لسد هذا الفراغ، لتم أسلمة المنطقة أو لنجح الطرح القومي منذ عقود خلت.
لكن القناعات والتطلّعات الشبابية، وبصرف النظر عن علاقتها المعقّدة بالدين والانتماءات القومية، ما تزال فيما يبدو منفتحة على الاحتمالات الأكثر عقلانية وحداثة، وهذا يفسح، حتى حين على الأقل، المجال لتقديم رؤية معاصرة ليبرالية الطابع. لكن تلك "الانتصارات" التي تحقّقها الشخصيات والحركات الدينية اليوم، من خلال قدرتها على تحدي تلك الجهات، في الداخل والخارج، التي تفرض نفسها علينا بالقوة لتحقيق مصالح فئوية وطبقية ضيقة تتناقض بالضرورة مع المصلحة الوطنية العامة، تفرض علينا ضرورة التحرّك بسرعة لطرح بديل آخر لذلك المزيج الغريب من الفكرين الإسلامي والقومي الذي بدأ يسيطر على الساحة اليوم، قبل فوات الأوان. فالشباب بطبعه نافذ الصبر.
Comments